فصل: (فرع: استئجار بهيمة للحرث):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: اكترى البهيمة ليحمل عليها ما لا تطيقه]

وإن اكترى منه بهيمة ليحمل عليها متاعًا لا تقدر عليه البهيمة، أو ليحمل عليها ما شاء.. لم يصح؛ لأن حملها لما لا تقدر عليه يؤدي إلى قتلها، وقوله: (ما شاء) يدخل فيه ما يقتلها، وقتلها لا يجوز.

.[فرع: اكتراء البهيمة لإدارة الرحى]:

وإن اكترى دابة لإدارة الرحى.. فلا بد أن تكون البهيمة معلومة، إما بالمشاهدة، أو بالصفة، ولا بد أن يعلم الحجر بالمشاهدة لا بالصفة؛ لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته. ولا بد من تقدير الطحن، إما بالزمان، بأن يقول: يومًا أو يومين، أو بالعمل، بأن يقول: لطحن قفيز أو قفيزين.
وإن استأجر بهيمة لإدارة الدولاب.. فلا بد أن تكون البهيمة معلومة بالمشاهدة، أو بالصفة، ولا بد أن يعلم الدولاب؛ لأن تعب البهيمة يختلف باختلافه، ولا يعلم إلا بالمشاهدة؛ لأنه يختلف ولا يضبط بالصفة، ويقدر ذلك بالزمان؛ لأنه لا يصير معلومًا إلا بذلك.
وإن اكتراها ليسقي عليها بالغروب.. فلا بد من معرفة الغرب؛ لأنه يختلف، ويقدر ذلك بالزمان أو بعدد الغروب، ولا يجوز أن يقدر بسقي الأرض مشاهدة ولا موصوفة؛ لأن ما تروى به الأرض من الماء مجهول.

.[فرع: استئجار بهيمة للحرث]:

وإن استأجر ظهرًا للحرث.. فلا بد من معرفة الظهر بالمشاهدة أو بالوصف، ولا بد أن يشاهد رب البهيمة الأرض المحروثة؛ لأن تعب البهيمة يختلف باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها، وذلك لا يضبط بالوصف، ويصح تقدير المنفعة هاهنا بالعمل، بأن يقول: أجرني هذا الظهر لأحرث عليه هذه الأرض، أو نصف الأرض.
وإن استأجره ليحرث هذه الأرض.. صح، ولا يفتقر إلى بيان جنس الظهر؛ لأن المقصود حرث تلك الأرض، فيصح وإن لم يذكر جنس الظهر، كما قلنا في حمل المتاع. وهل يصح أن يكتري ظهرًا مشاهدًا أو موصوفًا على أن يحرث عليه مدة معلومة؟ فيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو إسحاق:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه مجهول.
والثاني: يصح، وهو الأصح، ولم يذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ غيره؛ لأن المنفعة تصير معلومة بذلك.
وإن اكترى ظهرًا غير مشاهد ولا موصوف ليحرث عليه مدة.. لم يصح، وجهًا واحدًا؛ لأن ذلك يختلف.

.[فرع: اكتراء الظهر للدياس أو الجارحة للصيد]:

ويجوز أن يستأجر الظهر على دياس الزرع، فإن كان على دياس زرع معين.. لم يفتقر إلى ذكر جنس الظهر؛ لأن المقصود دياسه، فهو كحمل المتاع.
وإن كان على دياس مدة.. لم يصح حتى يعلم الظهر، إما بالمشاهدة، أو بالوصف.
ويجوز أن يستأجر جارحة الصيد، ولا يصح حتى يعلم الجارحة، إما بالمشاهدة، أو بالوصف؛ لأن الجوارح تختلف، ولا بد من ذكر جنس الصيد الذي ترسل عليه الجارحة؛ لأن لكل صيد تأثيرًا في إتعاب الجارحة.

.[مسألة: الاستئجار لرعي الأغنام]

وإن استأجره ليرعى له غنمًا معينة.. تعين العقد بها، فإن تلفت قبل انقضاء مدة الإجارة.. قال ابن الصباغ: فإن أصحابنا قالوا: تنفسخ الإجارة، ولا يكون للمستأجر إبدالها، وإن تلف بعضها.. انفسخ خفيه العقد، وإن توالدت.. لم يلزمه أن يرعى أولادها.
قال ابن الصباغ: وعندي أنه إذا عين الغنم.. جاز له إبدالها، كما إذا استأجر دابة ليركبها.. جاز له أن يركبها مثله.
وإن استأجره ليرعى له الغنم مدة وأطلق.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق -: أنه لا يصح؛ لأن لكل قدر من الغنم تأثيرًا في إتعاب الراعي.
والثاني - وهو قول ابن الصباغ -: أنه يصح، ويرعى له ما جرت العادة أن يرعى الواحد من رعاة الغنم، فإذا تلف شيء منها.. أبدله، وإذا توالدت.. رعى أولادها؛ لأن العادة جرت بأن الأولاد تتبع الأمهات في الرعي.

.[فرع: استئجار كحال للعين]

وإن استأجر كحالا ليكحل له عينه.. جاز له؛ لأنه عمل جائز يمكن تسليمه، ويقدره بالمدة، فإن قدره بالبرء.. لم يجز؛ لأنه لا يعلم متى يبرأ.
ولا يجب الكحل على الكحال؛ لأن الأعيان لا تستحق بالإجارة، فإن شرط الكحل على الكحال.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن العادة جرت به عليه، ولأنه يشق على العليل تحصيل الدواء، فجوز ذلك، كالرضاع.
والثاني: أن الإجارة باطلة، وهو الأصح؛ لأن ذلك في معنى بيعتين في بيعة فإن اشترى منه الكحل، واستأجره على الكحل في عقد واحد.. فقد جمع بين بيع وإجارة، وفي ذلك قولان، مضى ذكرهما.
وإن استأجره ليصبغ له ثوبًا بصبغ من عند الصباغ، أو ليكتب له كتابا بحبر من الكاتب، فإن قلنا: يجوز اشترط الكحل على الكحال.. صح هاهنا أيضًا. وإن قلنا هناك: لا يصح.. فهاهنا وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لما ذكرناه في الكحل.
والثاني: يصح؛ لأنه بيع للصبغ والحبر والعمل، والكتاب فيه تسليم الصبغ والحبر؛ لأنه مقدر بذلك.

.[مسألة: استئجار امرأة للرضاع والحضانة]

وإن استأجر امرأة على إرضاع صبي.. صحت الإجارة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى في المطلقات: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]. والأجرة لا تكون إلا في إجارة.
فإن استأجرها على الحضانة، وهي حفظ الصبي، وتربيته، ودهنه، وكحله، وغسل خرقه، وتنظيفه.. لزمها ذلك دون الإرضاع. وإن استأجرها على إرضاعه وحضانته.. لزمها ذلك.
واختلف أصحابنا هل المقصود الحضانة، واللبن تبع، أو المقصود اللبن والحضانة تبع؟
فمنهم من قال: المقصود هو اللبن، والحضانة تبع؛ لأن الله تعالى قال:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6]. فذكر الإرضاع، ولم يذكر الحضانة، والإرضاع إنما ينصرف إلى اللبن دون الحضانة.
ومنهم من قال: المقصود الحضانة، واللبن تبع، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن اللبن عين، والأعيان لا تستباح بعقد الإجارة متبوعًا، وإنما تستباح على وجه التبع لغيرها، ألا ترى أن من استأجر بئرًا ليشرب منها.. لم يصح، وإن استأجر دارًا وفيها بئر ماء.. جاز أن يستقي منها تبعًا للدار؟ وأما الآية: فلأن الرضاع يشتمل على حضانة ولبن، فما قابل الحضانة منها.. كان أجرة، وما قابل اللبن.. كان ثمنًا؛ لأن الأعيان لا تستباح بالإجارة، وقول الله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25]. تغليب للأكثر منهما؛ لأن من شأن العرب إذا جمعت بين شيئين أن تغلب الأكثر، فعلم أن الحضانة هي المقصودة.
وإن استأجرها على الإرضاع، ولم يذكر الحضانة.. فهل يلزمها الحضانة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمها ذلك؛ لأن العادة جارية بأن المرضعة تتولى ذلك.
والثاني: لا يلزمها؛ لأن المذكور في العقد هو الإرضاع، وذلك لا يتناول أكثر من سقي اللبن.
إذا ثبت هذا: فمن شرط صحة الإجارة على الإرضاع: أن يعلم الصبي، ولا يصير معلومًا إلا بالمشاهدة؛ لأنه لا يضبط بالوصفِ، وتقدر المنفعة فيها بالمدة؛ لأن تقديرها بالعمل لا يمكن.
ولا تصح الإجارة حتى يشترط أنها ترضعه في بيتها، أو في بيت أبي الصبي؛ لأن الغرض يختلف بذلك؛ لأن للأب غرضًا في أن ترضعه في بيته، لكي يشرف على ولده، ولها غرض في أن ترضعه في بيتها؛ لأنه أسهل لها، ولكي لا تبتذل في القعود في بيوت الناس.
فإن استأجرها الأب بأجرة من مال الصبي.. جاز؛ لأن نفقته في ماله.
وإن استأجرها الأب بأجرة في ذمته.. قال الشيخ أبو حامد: صح، ولزم الأب الأجرة؛ لأن الصبي إن لم يكن له مال.. فنفقته على الأب، وإن كان له مال.. فقد تطوع الأب بالأجرة من ماله، وما تطوع به الإنسان بعقد.. لزمه.

.[فرع: تأجير المتزوجة نفسها للإرضاع]

إذا كان للمرأة زوج، فأجرت نفسها للإرضاع بإذن الزوج.. صحت الإجارة ولزمت؛ لأن الحق لهما، وإن أجرت نفسها للإرضاع بغير إذنه.. ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: تصح؛ لأن العقد يتناول محلًا غير المحل الذي يتناوله عقد النكاح؛ لأنه لا يملك خدمتها ولا إرضاعها.
والثاني: لا يصح؛ لأنه يستحق الاستمتاع بها في كل وقت، وفي تصحيح عقد الإرضاع عليها ما يمنعه من الاستمتاع بها.
فإذا قلنا: لا تصح.. فلا كلام، وإن قلنا: تصح.. فللزوج فسخ الإجارة؛ لأنها تعوق استمتاعه.
وإن أجرت نفسها للإرضاع، ثم تزوجت.. لم يكن للزوج فسخ هذه الإجارة؛ لأنها سابقة لحقه، وإن أجرت نفسها، ثم أقرت: أنها قد كانت تزوجت برجل قبل الإجارة، وصدقها الزوج.. ثبتت الزوجية بينهما، ولم يكن للزوج فسخ هذه الإجارة؛ لأن الإجارة قد لزمت في الظاهر، فلا يقبل قولها فيما يؤدي إلى فسخها.
وكل موضع لزمت فيه الإجارة، ولم يكن للزوج فسخها.. فهل يمنع الزوج من وطئها؟ فيه وجهان:
قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 330] يمنع من وطئها، وهو قول أحمد؛ لأنه لا يؤمن أن تحبل، فينقص اللبن.
وقال الشيخ أبو حامد، والبغداديون من أصحابنا: لا يمنع الزوج من وطئها؛ لأن استمتاعه بها حق له متحقق، وجواز الحبل من الوطء أمر مظنون، فلم يسقط حقه المتحقق بأمر المظنون.
فعلى هذا: ليس للزوج أن يطأها في وقت إرضاع الصبي، وإنما يطؤها إذا نام الصبي، أو إذا روي باللبن.

.[فرع: استئجار المرأة العبد لخدمة الخلوة]

قال الطبري في "العدة": إذا استأجرت امرأة عبدًا لخدمة الخلوة.. لم تصح الإجارة.
وقال أبو حنيفة: (تصح الإجارة، والخدمة حرام). وكذلك: لو استأجر حرة أجنبية منه لخدمة الخلوة.. لم تصح الإجارة.
وفي الأمة وجهان. وقال أبو حنيفة: (تصح).
دليلنا: أن الإجارة وقعت لخدمة خاصة، وهي ممتنعة؛ لكونها محرمة، فلم يصح العقد كمن استأجر شيئًا لا منفعة فيه.

.[مسألة: الاستئجار لحفر بئر ونحوه]

وإن استأجر رجلًا ليحفر له بئرًا أو نهرًا.. صح، ولا بد من تقدير العمل.
قال ابن الصباغ: وذلك يحصل بأمرين، إما بأن يقدره بالمدة، بأن يستأجره ليحفر له شهرًا أو شهرين، أو بالعمل، فإن كانت بئرًا.. ذكر قدر عمقها، وقدر دورها. وإن كان نهرًا.. ذكر طوله وعرضه وعمقه.
قال ابن الصباغ: فإن كانت الإجارة على أن يحفر له مدة.. لم يفتقر إلى معرفة
الأرض التي يحفر فيها، وإن كانت على أن يحفر له أذرعًا معلومة.. فلا بد من مشاهدة الأرض التي يحفر فيها؛ لأنها تختلف بالصلابة والرخاوة، وإن استأجره على أن يحفر له أذرعًا معلومة.. فعلى الحافر أن يخرج التراب الذي يحصل بالحفر؛ لأنه لا يمكنه أن يحفر إلا بإخراج تراب ما حفر، فإن تهور شيء من تراب ما حفره من جانبي البئر.. لم يلزم الحافر إخراج ذلك، بل على المستأجر أن يخرج ذلك؛ لأنه سقط من ملكه، ولم يتضمنه عقد الإجارة، فهو كما لو سقط في البئر بهيمة لمالك البئر.
فإن حفر الأجير، فوصل إلى حجر في البئر يمكنه حفرها.. ففيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو الطيب: يلزمه حفرها إذا أمكنه وإن شق عليه؛ لأنه قد التزم الحفر بالعقد.
والثاني: قال ابن الصباغ: لا يلزمه حفرها؛ لأنها مخالفة لما شاهد من الأرض.
وإن وصل إلى حجر لا يمكنه حفرها، أو نبع فيها ماء لا يمكنه معه الحفر وقد بقي من الذرعان التي استأجره عليها بعضها.. انفسخت الإجارة فيما بقي، وهل ينفسخ فيما مضى؟ فيه طريقان، كما قلنا فيمن اشترى عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض.
فإذا قلنا: ينفسخ فيما مضى.. سقط المسمى، ووجب للأجير أجرة المثل فيما قد عمل.
وإذا قلنا: لا ينفسخ.. ثبت لكل واحد منهما الخيار في الفسخ لأجل ما بقي، فإن فسخا، أو فسخ أحدهما.. سقط المسمى، ووجب للأجير أجرة المثل لما قد عمل. وإن لم يفسخ واحد منهما.. قال ابن الصباغ: وجب للأجير من المسمى بقدر ما عمل، ولا يقسط ذلك على عدد الأذرع؛ لأن ذلك يختلف، لأن أعلى البئر أسهل في نقل التراب، ولكن يقال: كم أجرة ما قد عمل؟ وكم أجرة ما بقي؟ ويقسم المسمى عليهما.

.[فرع: الاستئجار لحفر القبر]

وإن استأجره لحفر قبر.. فليس عليه رد التراب إلى القبر بعد وضع الميت فيه. وقال أبو حنيفة: (عليه ذلك).
دليلنا: أن المعقود عليه هو الحفر، وقد وجد ذلك، فلا يلزمه غيره.

.[فرع: الاستئجار على البناء]

ويجوز الاستئجار على البناء، ويجوز تقدير ذلك بالزمان، بأن يقول: استأجرتك لتبني لي يومًا أو شهرًا بآجر، أو أحجار، أو طين، أو لبن.
ويجوز تقديره بالعمل، بأن يقول: لتبني لي حائطًا بآجر، أو حجر، أو طين، أو لبن، ويذكر طوله وعرضه وسمكه.
ويجوز أن يستأجره ليضرب له اللبن، ويقدره بالمدة أو بالعمل، فإن قدره بالعمل.. ذكر عدد اللبن، ويذكر طولها وعرضها وسمكها.
قال ابن الصباغ: فإن كان القالب معلومًا.. جاز أن يطلق، كما إذا كان المكيال معلومًا معروفًا.. جاز إطلاقه في السلم.
وإن قال: بهذا القالب.. قال القاضي أبو الطيب: صح، وقال ابن الصباغ: في هذا نظر، وينبغي أن لا يصح، كما لو علق السلم على مكيال بعينه.
ولا بد أن يذكر موضع الضرب؛ لأنه يختلف بقرب الماء منه وبعده؛ لأن نقل الماء والتراب على الأجير.

.[فرع: استئجار الحمام]

إذا استأجر حمامًا.. صحت الإجارة؛ لأنه يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه، فهو كالدور.
إذا ثبت هذا: فلا بد أن يشاهد المستأجر بيوت الحمام؛ لأن الغرض يختلف باختلاف صغيرها وكبيرها، ولا بد أن يشاهد القدر؛ لأن الغرض يختلف باختلاف صغيرها وكبيرها، ويشاهد بئر الحمام؛ لأن البئر إذا كانت عميقة وبعيدة من الحمام.. كانت أكثر مؤنة من القريبة القليلة العمق، ويشاهد موضع الوقود، ومطرح الرماد، والموضع الذي يستنقع فيه الماء إذا خرج من الحمام؛ لأنه إذا كان بعيدًا عميقًا.. ذهب الماء سريعًا، وإذا كان قريبًا من الحمام غير عميق.. امتلأ ترابًا.
وكذلك: إذا أراد أن يشتري حمامًا.. فلا يصح حتى يشاهد جميع هذه المواضع؛ لما ذكرناها.

.[فرع: الاستئجار ليعلمه سورة ما من القرآن]

وإن استأجره على أن يعلمه سورة من القرآن.. لم تصح حتى يعينا السورة؛ لأن السور تختلف، وإن استأجره ليعلمه عشر آيات من سورة بعينها.. فهل يصح من غير أن يعين آيات منها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المرأة التي له وهبت نفسها - لرجل: (ما تحفظ من القرآن؟) قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: (قم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك».
والثاني: لا يصح؛ لأن الأعشار تختلف. وأما الخبر: فقد روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «زوجتكها بما معك من القرآن».
وإن صح الخبر.. حملناه على: أنه عقد له النكاح بتعليم عشرين آية معينة، وإنما أعاد ذكر ذلك.. حكاية لما وقع عليه العقد، بدليل: أن قوله: «قم فعلمها عشرين آية، وهي امرأتك» ليس بنكاح.
وهل تفتقر صحة الإجارة على تعليم القرآن إلى أن يعين الحرف الذي يعلمه إياه، كحرف نافع، أو ابن كثير، أو غيرهما؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يفتقر إليه؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للرجل: «زوجتكها بما معك من القرآن». ولم يفرق، ولأن هذه الحروف كلها مأثورة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منزلة عليه، فجاز أن يعلمه ما شاء منها، كما لو اشترى منه قفيزًا من صبرة.. فإن له أن يدفع إليه القفيز من أي جانب شاء منها.
والثاني: لا تصح الإجارة حتى يبين الحرف؛ لأن بعض القراءات أشد من بعض، وبعضها أكثر من بعض.
قال الشيخ أبو حامد: وقيل: إن قراءة ابن كثير أكثر من قراءة غيره، وإذا كان كذلك، وكان الإطلاق مجهولًا.. فلم تصح.

.[فرع: نسيان المستأجر ما تعلمه أو بعضه]:

وإن استأجره على أن يعلمه سورة أو آيات معلومة، فإن علمه ثلاث آيات، ثم نسيها المستأجر.. لم يلزم الأجير إعادة التعليم، وجهًا واحدًا.
وإن علمه بعض آية، فنسيها المستأجر قبل أن يفرغ من تعليم باقيها.. لزم الأجير إعادة تعليمها، وجهًا واحدًا؛ لأن بعض الآية لا يقع به الإعجاز.
وإن علمه آية أو آيتين، فنسي.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يكون المستأجر قابضًا، فيلزم الأجير إعادة التعليم؛ لأن الإعجاز لا يقع بأقل من ثلاث آيات؛ لأنه قدر به سورة قصيرة.
والثاني: يكون المستأجر قابضًا؛ لأن الآية من جنس الإعجاز، فأشبهت الثلاث.

.[فرع: الاستئجار مدة لتعليم القرآن]:

وإن استأجره ليعلم ابنه الصغير القرآن مدة معلومة.. صحت الإجارة.
وهل تدخل الجمع في المدة من غير أن يستثنيها؟ سمعت شيخنا الإمام زيد بن عبد الله اليفاعي رحمة الله عليه يقول: يحتمل أن تكون على وجهين مأخوذين من الوجهين، فيمن استأجر ظهرًا ليركبه في طريق، وقد جرت العادة بأن ينزل الراكب في بعض تلك الطريق للرواح عن الدابة، هل يلزم المكتري ذلك بالإطلاق؟

.[مسألة: الاستئجار لأحد المناسك]

وإن استأجره للحج والعمرة.. لم تصح حتى يبين أنه إفراد، أو تمتع، أو قران؛ لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك. وهل تفتقر صحة الإجارة إلى أن يبين موضع الإحرام؟ ذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضع: (أن ذلك شرط)، وذكر في موضع آخر: (أن ذلك ليس بشرط). واختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق:
فالطريق الأولذهب أكثرهم إلى: أنها على قولين:
أحدهما: أن ذلك شرط؛ لأن الغرض يختلف باختلاف الميقات، وتختلف الأجرة باختلاف المواقيت.
والثاني: أن ذلك ليس بشرط؛ لأن له عرفًا في الشرع، وهو ميقات البلد، فانصرف إليه الإطلاق، كمن باع بنقد مطلق في بلد فيه نقد غالب.
والطريق الثاني منهم من قال: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين:
فحيث قال: (يشترط ذكر موضع الإحرام) إذا كان للبلد ميقاتان مختلفان.
وحيث قال: (لا يشترط) أراد: إذا لم يكن للبلد إلا ميقات واحد.
والطريق الثالث منهم من قال: هي على حالين آخرين:
فحيث قال: (يشترط) إذا كان الحج عن حي؛ لأن له اختيارًا يرجع إليه.
وحيث قال: (لا يشترط) إذا كان المحجوج عنه ميتًا؛ لأنه لا يمكن الرجوع إلى اختياره.
إذا ثبت هذا: فإن قلنا: لا يشترط بيان موضع الإحرام، فإن شرط على الأجير أن يحرم من موضع، إما من الميقات، أو قبله.. لزمه ذلك. وإن أطلق.. لزمه الإحرام من ميقات ذلك البلد.
وإن قلنا: يشترط بيان موضع الإحرام، فإن عين الميقات أو قبله.. لزمه أن يحرم
منه، وإن عين له دون الميقات.. لم يصح؛ لأنه يمر على الميقات وهو مريد للنسك بلا إحرام، وإن أطلق.. كانت الإجارة فاسدة.
فإن أحرم الأجير عن المستأجر.. انعقد الإحرام عن المستأجر؛ لأنه فعله عنه بإذنه، فوقع عنه وإن كان العقد فاسدًا، كما لو وكله وكالة فاسدة ليشتري له عينًا، فاشتراها له.. فإن الملك فيها للموكل.

.[مسألة: إجارة الحلي]

ولا تصح الإجارة إلا بأجرة معلومة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استأجر أجيرًا.. فليبين له أجرته»، ولأن عقد يقصد به العوض، فلم يصح من غير ذكر العوض، كالبيع، وفيه احتراز من النكاح؛ لأنه لا يقصد به العوض.
ويجوز أن يستأجر حلي الذهب بالذهب والفضة، وحلي الفضة بالفضة والذهب.
قال الصيمري: ومن أصحابنا من توقف في إجارة حلي الذهب بالذهب، وحلي الفضة بالفضة. وليس بصحيح؛ لأن المعقود عليه هو منفعة الذهب لا عين الذهب، فلم يكن فيه ربًا.

.[فرع: استئجار منفعة عين بمنفعة عين أخرى]

ويجوز أن يستأجر منفعة عين بمنفعة عين أخرى، سواء كانت من جنسها أو من غير جنسها.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز أن تكون المنفعتان من جنس، بأن يستأجر دارًا بمنفعة دار أخرى، فإن كانتا مختلفتين، بأن يستأجر منفعة عبد بمنفعة دار.. صح).
ودليلنا: أنهما منفعتان يجوز إجارتهما، فجاز أن يستأجر إحداهما بالأخرى، كما لو كانتا مختلفتين.
إذا ثبت هذا: فلا تصح الإجارة إلا بأجرة معلومة القدر؛ لما ذكرناه من الخبر، ولأنه عقد معاوضة.. فلم يصح بعوض مجهول، كالبيع.
فإن استأجر أجيرًا كل يوم بطعام معلوم، من بر، أو ذرة، أو شعير، أو غير ذلك مما يجوز السلم فيه.. صح؛ لأنه عوض يجوز أن يكون ثمنًا في البيع، فجاز أن يكون عوضًا في الإجارة، كالدراهم والدنانير.
وإن استأجره بطعامه الذي يأكله كل يوم وكسوته.. لم تصح الإجارة، وبه قال أبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: (يجوز ذلك في إجارة المرضعة وحدها).
وقال مالك، وأحمد: (يجوز ذلك في كل أجير).
دليلنا: أن هذا عوض في عقد.. فلم يجز أن يكون مجهولًا، كالبيع.
وعلى أبي حنيفة: أن كل ما لا يجوز أن يكون أجرة في غير الرضاع.. لا يجوز أن يكون أجرة في الرضاع، كالدراهم المجهولة.
فإن قالوا: فقد قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233]. إلى أن قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].
قلنا: المراد بهذا: بيان نفقة الزوجة، فنص على وجوب نفقتها في حالة الإرضاع؛ لينبه على وجوبها في كل حالٍ؛ لأنها إذا وجبت مع تشاغلها بالإرضاع، فمع عدم التشاغل أولى.